د. عامر بن مقحم بن محمد المطيري
مساعد المشرف العام على مكتب مدير الجامعة
الوكيل المكلّف لعميد عمادة شؤون الطلاب للأنشطة الطلابية
يعجزُ البيانُ اللفظيُّ ، والتعابيرُ البليغةُ ، والأقلامُ المبدعةُ ؛أَنْ تفيَ بمقام وطننا العزيز ، والإحاطة بتقدير المشاعر تجاهه . لاسيما ونحنُ نعيش ذكرى تأسيسه المجيد ، التاسع والثمانين ، من عمره المديد. الآمِنِ السَّخِيِّ ..
لكنّنا نستطيعُ أن نُـقَـرِّبَ الحديث في هذا المعنى ، فنقول :
إنّه منحةٌ إلهيٌّةٌ عُظمى ، تجري عليه أرواحُنا ، وتسكنُهَ قلوبُنا ، وتنعم من فيضه -بعد فضل الله-(أبدانُنا وجوارحُنا ، وتُحفظُ به ضروراتنا (الأمن ، والدين ، والنفس ، والمال ، والعرض) كلُّ ذلك لا ينازعُ فيه أحدٌ ، ولا يختلف عليه اثنان ، وبشكلٍ لا مثيل له أبداً على هذه البسيطة.
الوطن .. هو ذواتنا ، أنت وأنا ، وآباؤنا وأجدادُنا .
الوطنً .. هو رمزٌ عميقُ الدلالة . متجذِّرُ الأصول .
لو قلّبنا آثار الأولين ؛ لوجدنا أنّهم صوّروا مكانَه ومقامَه بأبهى وأعلى الصور والمقامات ، وعبّروا حين البعد عنه بأفجع التعابير ، وأكثرها حبّاً وأُلفةً ، وحنيناً وشوقاً إليه ، ولذلك لم يحتملوا فراقه ، ولم ينسوه أبداً ، وبكوه وحنُّوا إليه ، رغم شظف العيش فيه ، فالعربُ قديماً اشتوتِ الجلد ، وتبلَّغت بالضبِّ واليربوع ، ولبست قُمُصَ الأوبار ، وافترشت الرمل ، والتحفت أديم السماء ، وعاشتْ بينَ حمّارة القيظ ، وصبّارة البرد ، ومع ذلك أطربتنا بالوفاء للوطنِ، وضربت أروع الأمثلة في بيان قدره ومقامه ، وأبكتنا حنيناً وشوقاً إليه .
لقد أوجعَ قلوبَنا الصِّمَّةُ بنُ عبدالله القشيري ، وهو يتذكّرُ وطنَهُ ودياره ، التي أصبح لا يصلُهُ بها إلاّ الذكريات الحالِـمَـه ، فيقول :
بنفسي تلكَ الأرضُ ما أطيبَ الرُّبا وما أحسنَ الـمُصْطَافَ والـمُتَرَبَّعا
وأذْكُرُ أيّــــامَ الــــحِمَـــــى ، ثم أنــثــن على كبدي من خـــشيةٍ أنْ تــــــصدَّعــا
فليـستْ عــشيَّاتُ الحِـمــَى؛ برواجـــــــعٍ عليــــــكَ ولكنْ خــلِّ عينــيـــكَ تــــدمعــا
وها هو عنترةُ العبسي الفارسُ الشجاع، يصبرُ على الطعنِ والضربِ ، ولا يصبرُ على فراق الدَّارِ والوطن .. يقول:
بكيتُ من البَينِ الـمُشِتِّ ،وإنَّني صبورٌ على طعنِ القنا لو علمتمُ
أحِـــنُّ إلى تــلكَ المــــنــازلِ كلــّما غــدا طائرٌ في أيْـــكَـــةٍ يَــــتَـرَنَّمُ
كما نجدُ في كتب التاريخ والأدب ؛ إلماحةً تربوية ؛ لعبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، وهي إلماحة ليس لها نظيرٌ ، ولم يَسْبِقْهُ أحدٌ لِمثلها ، حينما قال لِـمُعَلِّمِ ولده : لا تُـرَوِّهم قصيدةَ عروةَ بن الورد العبسي ، التي يقول فيها :
دعيني للغنى؛ أسعى؛ فإنِّي رأيتُ النّاسَ شرُّهمُ الفقيرُ.
يقول : لأنّها تدعوهم للاغتراب عن أوطانهم .
إنّهم عرفوا مقامه .
وأحبُّوا ترابه .
فخافوا فراقه .
ولَزموا أرضه .
وحفظوا حِماهُ من أنْ يُداس .
وحذَّروا من كلّ مايدعوا للبعد والغربة عنه .
هذا جزءٌ من التعبير عن مقام الوطن بشكلٍ عام .
لكن – هنا – وطنٌ ليس له نظيرٌ ولا مثيل .
تعدّى؛ الأوطانَ كلّها جلالاً وجمالاً.
وتحدّاها سموّاً وطهارةً ونقـاءَ .
مقامه لا يُـوازى؛ ولا يُــدانى؛.
إنّه وطنُ التوحيد ، والقبلة ، ومهبط الوحي،و مهوى الأفئدة .
وطنُ العزِّ والإباء والشمـوخ .
وطنُ العطاء والسَّخاء .
المملكة العربية السعودية .
هنا مقامٌ مستلذٌّ ، وأرضٌ مشتهاه ، لا يودُّ ساكنها الخروج منها ، ولا يتمنّى إلاّ العيش فيها ، والتغنّي بها .
يموتُ الهوى؛ منِّي إذا ما لَـقِيْتُهُا ويحيا إذا فارقْتُها ويزيــدُ
تمرُّ الليالي والأيّام والسعوديّةُ تزدادُ فتوّةً ولا تشيب ، بحزم وعزم قيادتها ، وهمَّة مواطنيها، وتضحية رجال أمنها.
نكتـالُ روحَ العزِّ مِــ ** ـن تلك القلاع العاليــهْ
شمخت على ريب الـزَّ ** مانِ فلم تزل متعاليــــهْ
تحكي لنا قصصَ البـ**ـطولةِ والشجاعة ماهيهْ
إنّ قيمنا ومبادءنا وأخلاقنا ؛ كلُّ ذلك يُحَتِّمُ علينا ويستوجبُ الوفاء لوطننا العظيم ؛ المملكة العربية السعودية ، والفداء دونه . وإعلان حُبِّه ، وإظهار مقامه ، وبيان حقِّه وواجبه.
والغبطة بالإنتما إليه ، والفرح بنجاحاته ، وبكلِّ نصرٍ وعزٍّ يتحقّقُ له ، وما ذكرى تأسيسه وتوحيده ، إلاّ مناسبة تستحقُ الحمد والثناء ، والشكر لله سبحانه ، ثم للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ، طيّب اللهُ ثراه ، إذ جمع اللهُ به الشتات ، واجتمعت الكلمة ، وتوحّد الصف ، وعمّ الأمنُ والرخاءُ البلادَ والعباد.
وسار على نهجه أبناؤه الملوك الميامين ، سعود ، وفيصل ، وخالد ، وفهد ، وعبدالله -رحمهم الله جميعاً- حتى آلت الأمانة والقيادة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه ، الذي حقّق للبلاد بتوفيق الله ، حضوراً دوليّاً مميّزاً ، صاحبه نماءٌ داخليٌّ ، وتقدُّمٌ حضاريٌّ ،في جميع المجالات الحيويّة والتنمويّة والبشرية .
وفي هذه المناسبة العزيزة – مناسبة اليوم الوطني التاسع والثمانين – نرفعُ لمقام خادم الحرمين الشريفين ووليّ عهده الأمين اجمل التهاني مقرونةً بالدعاء أن يحفظهما للبلاد قادةً معانين من الله ، مسدّدين بتسديده وتوفيقه سبحانه، وأن يديم الأمن والاستقرار والرخاء والنماء على وطننا العظيم المملكة العربية السعودية.